منذ آلاف السنين ارتبط غذاء الإنسان باستخدام وتناول الزيوت التي تستخرج من أنواع مختلفة من البذور النباتية، هذا بجانب المسلى أو "السمن" والزبد التي تستخرج من اللبان والدهون الحيوانية، إلا أن الإنسان بالخبرة والتجارب اكتشف ارتفاع نسبة الكوليسترول في تلك المشتقات الحيوانية عن الزيوت النباتية، بعد أن أدرك ما يسببه ارتفاع الكوليسترول في الدم من الإصابة بأمراض تصلب وانسداد الشرايين والذبحة الصدرية والأزمات القلبية.
ومن هنا اتجه الإنسان إلى استخدام أنواع من الزيوت النباتية تكاد تكون خالية من الكوليسترول مثل زيت عباد الشمس وزيت الذرة وزيت الزيتون وزيت النخيل، وأصبحت هذه الزيوت التقليدية ملازمة لطعام الإنسان، ولكن تناولها لا يؤدي إلى خفض نسبة الكوليسترول في الدم عند مرضاه الذين يعانون من ارتفاع نسبته.
وبعض الزيوت التقليدية تحتوي على أحماض مشبعة ترفع الكوليسترول في الدم ومنها زيت جوز الهند، وهذه الأحماض موجودة بالطبع في الدهون الحيوانية.
وهناك زيوت غير تقليدية تحتوي على أحماض غير مشبعة لها تأثير واضح في خفض نسبة الكوليسترول في الدم، ومن بين هذه الأحماض حمض "الأوليك" الذي يكثر استخدامه في دول البحر المتوسط.
وحول تأثير هذه الزيوت غير التقليدية بما تحتويه من أحماض كانت الدراسة التي أجرتها الدكتورة "سحر رياض" -الباحثة بقسم زراعة وإنتاج النباتات الطبية والعطرية بالمركز القومي للبحوث في القاهرة- تحت عنوان: "دراسات كيميائية حيوية على بعض الزيوت النباتية غير التقليدية". وشملت الدراسة زيت بذرة الجرجير، وزيت نبات خبز النحل أو البوراج Borage وهو نبات طبي، بالإضافة إلى زيت تقليدي هو زيت الزيتون، وذلك لمعرفة تأثير هذه الزيوت على علاج ارتفاع نسبة الدهون في الدم.
وتقول الباحثة سحر رياض: إن نبات الجرجير معروف في منطقة البحر المتوسط وتؤكل أوراقه وتدخل في عمل السلطات والمشهيات، أما نبات خبز النحل فهو نبات طبي عشبي يحتوي على نسبة عالية من حمض جامالينولنيك، ويدخل في صناعة كثير من الأدوية التي تعالج أمراض القلب والشرايين والكبد وكذلك بعض الكريمات والمراهم التي تعالج الأمراض الجلدية. وقد تمت زراعة كميات من نبات خبز النحل في المزرعة الخاصة بالمركز القومي للبحوث؛ لإجراء التجارب على الزيت المستخلص منه.
وقد تم تحليل مكونات الزيوت الثلاثة بواسطة جهاز التحليل الكروماتوجرافي، الذي بيّن أن زيت خبز النحل "البوراج" يحتوي على حمص جامالينولنيك بنسة 21.4%، وحمض اللنيوليك بنسبة 35.9%، بالإضافة إلى نسبة من الهيدروكربونات.
أما زيت الجرجير فقد تبين أنه يحتوى على حمض آخر غير مشبع وله تأثير مخفض للكوليسترول وهو حمض الأيروسيك وذلك بنسبة 50.9%، أما زيت الزيتون فقد أثبتت التحاليل أنه يحتوي على حمض الأوليك بنسبة 57.4% وبعض المواد الهيدروكربونية.
وتقول الباحثة: إن الدراسة قد أجريت على أربع مجموعات من فئران التجارب تمت تغذيتهم لمدة ثلاثة شهور على غذاء غني بالدهون والكوليسترول؛ وذلك لإحداث زيادة في نسبة الدهون بالدم ونسيج الكبد، وقد استخدمت المجموعة الأولى لمجموعة ضابطة لم تغذ أو تعالج بأي نوع من الزيوت، بينما تم إعطاء المجموعات الثلاث الأخرى إما زيت الزيتون أو زيت الجرجير أو زيت خبز النحل، وذلك بجرعات نصف جرام لكل فأر ولمدة 12 أسبوعاً، من خلال حقنة متصلة بأنبوبة بلاستيك إلى معدة الفأر مباشرة.
وأثناء علاج فئران التجارب بهذه الزيوت تم أخذ عينات من دم الفئران مرة كل شهر، كما تم أخذ عينات من أكباد الفئران في آخر تجربة.
وكشفت الدراسة عن أن استخدام الزيوت الثلاثة: "زيت الجرجير، وزيت خبز النحل، والزيتون" قد أدى إلى حدوث نقص حيوي في كل قياسات الدهون سواء في مصل الدم أم نسيج الكبد، كما كان هناك نقص واضح في نسبة الكوليسترول في البروتينيات منخفضة الكثافة في المجموعات الثلاث التي تمت معالجتها بالزيوت مقارنة بالمجموعة الضابطة التي لم تعالج بأي نوع من الزيوت.
وتشير الباحثة سحر رياض إلى أن زيت خبز النحل أو "البوراج" قد خفّض الكوليسترول الكلي بنسبة 70%، وجاء بذلك في المقدمة متفوقًا على زيت الجرجير، وذلك لاحتواء زيت خبز النحل على حمض جامالنيولنيك ذي التأثير الفعال في تخفيض نسبة الدهون سواء في الدم أم الكبد، وتلاه زيت الجرجير ثم زيت الزيتون.
وانتهت الدراسة إلى أن تغذية الفئران بأي من الزيوت الثلاثة أدت إلى تحسن نسبة الدهون المترسبة في نسيج الكبد، واتضح هذا من خلال الدراسة الهستولوجية التي أجريت على كبد الفئران المعالجة مقارنة بالمجموعة الضابطة.
وفي النهاية تقول الباحثة: إن النتائج التي توصلت إليها الدراسة تحمل بشرى لمرض تصلب الشرايين والقلب؛ حيث إن استخدام زيت الجرجير وزيت خبز النحل يقي من أخطار ارتفاع نسبة الكوليسترول، وهو المراد الذي لا يتحقق مع استخدام الزيوت الأخرى التقليدية، كما أن الدراسة تؤكد على أهمية الطب الشعبي الذي يعتمد على العلاج بالنباتات ومستخلصاتها .
مع تحياتى د. منال